فصل: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.{ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}:

قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر والبزي خطوات ساكنة الطاء وحجتهم أنهم استثقلوا الضمتين بعدهما واو في كلمة واحدة فسكنوا الطاء طلبا للتخفيف.
وقرأ الباقون خطوات بضم الطاء وحجتهم أن أصل فعلة إذا جمعت أن تحرك العين بحركة الفاء هذا المستعمل في العربية مثل ظلمة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وقالوا ولم تستثقل العرب ضمة العين.

.{قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}:

اختلف القراء في إدغام لام هل وبل عند التاء والثاء والطاء والظاء والصاد والزاي والسين والنون نحو بل نتبع وهل ترى.
فقرأ الكسائي جميع ذلك بالإدغام دخل حمزة معه عند التاء والثاء والسين وقرأ الباقون جميع ذلك بالإظهار.
حجة الكسائي في ذلك أن هذه اللام لما كانت ساكنة في الخلقة أشبهت لام المعرفة فأدغمها عند هذه الحروف كما تدغم لام المعرفة عندهن فأجرى لام هل وبل مجرى لام المعرفة فأدغمها فيما أدغم فيه لام المعرفة ألا ترى أنه لم يدغم لام قل في شيء لأن سكونها عارض وأن الحركة أصلها وكذلك ومن يبدل نعمة الله وحجة من أظهر لام هل وبل أن هذه اللام تفارق لام المعرفة من جهة أن كل واحدة منهما من حرف يسكت عليه والذي لقيها من حرف آخر فضعفت عن الإدغام الذي يكون في الحرف الواحد الذي لا يفصل بعضه عن بعض.

.{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}:

قرأ حمزة وأبو عمرو وعاصم فمن اضطر بكسر النون حيث كان وكذلك وقالت اخرج ولقد استهزئ وفتيلا انظر بكسر التاء والدال والتنوين زاد عاصم وحمزة عليه كسر اللام والواو مثل قل ادعو الله أو ادعو الرحمن ودخل ابن عامر معهم في التنوين فحسب.
وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع وحجتهم أنهم كرهوا الضم بعد الكسر لأن يثقل على اللسان فضموا ليتبع الضم الضم.
وحجة الكسر أن الساكنين إذا اجتمعا يحرك أحدهما إلى الكسر كقوله وقل الحق من ربكم وذكر اليزيدي عن أبي عمرو قال وإنما كسرت النون لأنني رأيت النون حرف إعراب في حال النصب والرفع تذهب إلى الكسر مثل قوله: غفورا رحيما النبي، وقوله: {والله عزيز حكيم} الطلاق قال فإذا كانت النون نفسها فهو أحق أن يذهب بها إلى الكسر قال والتاء والدال بمنزلة النون وهما أختا النون إذ كانت لام التعريف تندغم فيها كإدغامها في التاء والدال فتقول هي التاء والدال والنون فترى اللام فيهن مدغمة وضم الواو لأن اللام تظهر عند الواو وضم اللام في قوله: {قل ادعوا الله} كراهية كسرة اللام بين ضمتين ضمة القاف وضمة العين فأتبع الضمة الضم.

.{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله}:

قرأ حمزة وحفص ليس البر أن تولوا نصبا وقرأ الباقون بالرفع فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم فيكون المعنى ليس توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر كله ومن رفع فالمعنى البر كله توليتكم فيكون البر اسم ليس ويكون أن تولوا الخبر وحجتهم قراءة أبي ليس البر بأن تولوا ألا ترى كيف أدخل الباء على الخبر والباء لا تدخل في اسم ليس إنما تدخل في خبرها.
قرأ نافع وابن عامر ولكن خفيفة البر رفعا وقرأ الباقون ولكن البر بالتشد والنصب اعلم أنك إذا شددت لكن نصبت البر بلكن وإذا خففت رفعت البر وكسرت النون لالتقاء الساكنين وقد بينت الحجة فيما تقدم.

.{فمن خاف من موص جنفا}:

وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر فمن خاف من موص وحجتهم قوله: {ما وصى به نوحا} و{فلا يستطيعون توصية} مصدر من وصى.
وقرأ الباقون موص بالتخفيف وحجتهم قوله: {يوصيكم الله} و{من بعد وصية توصون} قال الكسائي هما لغتان مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وقد روي عن أبي عمرو أنه فرق بين الوجهين فقال ما كان عند الموت فهو موص لأنه يقال أوصى فلان بكذا وكذا فإذا بعث في حاجة قيل وصى فلان بكذا.

.{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}:

قرأ نافع وابن عامر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام ومساكين جمع وقرأ الباقون فدية منونة طعام رفعا مسكين واحد وحجتهم أن الطعام هو الفد التي أوجبها الله على المفطر الذي رخص له في الفطر وجعل إطعام المسكين جزاء إفطاره فلا وجه لإضافة الفدية إليه إذ كان الشيء لا يضاف إلى نفسه إنما يضاف إلى غيره وحجتهم في التوحيد في المسكين أن في البيان على حكم الواحد في ذلك البيان عن حكم جميع أيام الشهر وليس في البيان عن حكم إفطار جميع الشهر البيان عن حكم إفطار اليوم الواحد فاختاروا التوحيد لذلك إذ كان أوضح في البيان.
وحجة من أضاف الفدية إلى الطعام أن الفدية غير الطعام وأن الطعام إنما هو المفدى به الصوم لا الفدية والفدية هي مصدر من القائل فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية فإذا كان ذلك كذلك فالصواب في القراءة إضافة الفدية إلى الطعام.
وحجة من قرأ مساكين قوله قبلها: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ثم قال: {أياما معدودات} قال إنما عرف عباده حكم من أفطر الأيام التي كتب عليه صومها بقوله أياما معدودات فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في المساكين على الجمع لا على التوحيد وتأويل الآية وعلى الذين يطيقونه فدية أيام يفطر فيها إطعام مساكين ثم تحذف أياما وتقيم الطعام مكانها قال الحسن فالمساكين عن الشهر كله والأيام.

.{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله}:

قرأ ابن كثير القران بغير همز وحجته ما روي عن الشافعي عن إسماعيل قال الشافعي قرأت على إسماعيل فكان يقول: القران اسم وليس مهموزا ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنا ولكنه اسم مثل التوراة.
وقرأ الباقون القرآن بالهمز مصدر قرأت الشيء أي ألفته وجمعته قرآنا قالوا فسمي بالمصدر وحجتهم قوله: {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه أي جمعناه فاتبع قرآنه} أي تأليفه.
قرأ أبو بكر ولتكملوا العدة بالتشديد من كمل يكمل وحجته قول الناس تكملة الثلاثين عن أبي بكر ولتكملوا بالتشديد وقال شددتها لقوله ولتكبروا الله.
وقرأ الباقون بالتخفيف من أكمل يكمل وحجتهم قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} وهما لغتان مثل كرمت وأكرمت قال الله ولقد كرمنا بني آدم وقال أكرمي مثواه.

.{أجيب دعوة الداع إذا دعان}:

قرأ إسماعيل وورش عن نافع وأبو عمرو دعوةالداعي إذا دعاني بالياء في الوصل والحلواني دخل معهم في الثاني وإذا وقفوا وقفوا بغير ياء وحجتهم أن الأصل في ذلك إثبات الياء لأن الياء لام الفعل وإذا وقفت حذفت الياء اتباعا للمصحف وهذا حسن لأنهم اتبعوا الأصل في الوصل وفي الوقف المصحف.
وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل وحجتهم أن ذلك في المصحف بغير ياء فلا ينبغي أن يخالف رسم المصحف وحجة أخرى وهي أنهم اكتفوا بالكسرة عن الياء لأن الكسرة تنوب عن الياء.

.{وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}:

قرأ نافع في رواية إسماعيل وورش وأبو عمرو وحفص وأتوا البيوت بضم الباء على أصل الجمع تقول بيت وبيوت مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس وقرأ الباقون البيوت بكسر الباء وحجتهم في ذلك أنهم استثقلوا الضمة في الباء وبعدها ياء مضمومة فيجتمع في الكلمة ضمتان بعدها واو ساكنة فتصير بمنزلة ثلاثة ضمات وهذا من أثقل الكلام فكسروا الباء لثقل الضمات ولقرب الكسر من الياء وكذلك الكلام في الغيوب وجيوبهن وشيوخا.

.{ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}:

قرأ حمزة والكسائي ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قتلوكم بغير ألف.
وقرأ الباقون ولا تقاتلوهم بالألف أي لا تحاربوهم حتى يحاربوكم فإن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} وحجة أخرى وهي أن القتال إنما يؤمر به الأحياء فأما المقتولون فإنهم لا يقاتلون فيؤمروا به وإذا قرئ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه كان ظاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وذلك محال إذا حمل على ظاهره وحجة من قرأ بغير ألف أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ في المدح والثناء عليهم وأن معنى ذلك ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوا بعضكم فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم وحكى الفراء عن العرب أنهم يقولون قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم وحجة أخرى جاء في التفسير أن المعنى فيه ولا تبدءوهم بالقتل حتى يبدءوكم به فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم.

.{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو فلا رفث ولا فسوق رفع منون ولا جدال نصبا قال أبو عبيد وإنما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله: {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النهي أي لا يكون فيه ذاك وتأولوا في قوله: {ولا جدال} أنه لا شك في الحج ولا اختلاف فيه أنه في ذي الحجة.
وقرأ الباقون جميع ذلك بالنصب وحجتهم قول ابن عباس ولا جدال في الحج قال لا تمار صاحبك حتى تغضبه فلم يذهب بها ابن عباس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأولين وأن حرف النهي دخل في الثلاثة وحجة من فتح أن يقول إنه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النفي به أعم والمعنى عليه لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدار فجوابه لا رجل في الدار.
وحجة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النفي وقتا واحدا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللفظ واحدا والمراد جميعا.

.{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}:

قرأ الكسائي مرضاة الله بالإمالة وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أن الكلمة من ذوات الواو أصلها مرضوة فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها يدلك على ذلك رضوان الله أنها من ذوات الواو.
وحجة الكسائي أن العرب إذا زادت على الثلاثة من ذوات الواو حرفا أمالته وكتبته بالياء من ذلك قوله: {أدنى} ويدعى حمزة إذا وقف على مرضات الله وقف عليها بالتاء وهي لغة للعرب يقولون هذا طلحت بالتاء.
والباقون إذا وقفوا عليها وقفوا مرضاه بالهاء وحجتهم أنهم أرادوا الفرق بين التاء المتصلة بالإسم والتاء المتصلة بالفعل فالمتصلة بالاسم نعمة والمتصلة بالفعل قامت وذهبت.

.{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}:

قرأ نافع وابن كثير والكسائي ادخلوا في السلم أي في المسالمة والمصالحة.
وقرأ الباقون في السلم بالكسر أي في الإسلام وقال قوم هما لغتان قال الشاعر:
أنائل إنني سلم ** لأهلك فاقبلي سلمي

.{وإلى الله ترجع الأمور}:

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وإلى الله ترجع الأمور بفتح التاء في جميع القرآن وحجتهم قوله: {ألا إلى الله تصير الأمور}.
ولم يقل تصار فلما أسند الفعل إليها بإجماع ردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.
وقرأ الباقون ترجع بضم التاء وفتح الجيم أي ترد الأمور وحجتهم قوله: {إليه تحشرون} وتقلبون فجعلوا الأمور داخلة في هذا المعنى والمعنيان يتداخلان وذلك أن الله هو الذي يرجع الأمور فإذا رجعها رجعت فهي مرجوعة وراجعة.

.{وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}:

قرأ نافع حتى يقول الرسول بالرفع وحجته أنها بمعنى قال الرسول على الماضي وليست على المستقبل وإنما ينصب من هذا الباب ما كان مستقبلا مثل قوله: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} {حتى يأتي وعد الله} فرفع يقول ليعلم أنه ماض.
وقرأ الباقون حتى يقول بالنصب وحجتهم أنها بمعنى الانتظار وهو حكاية حال المعنى وزلزلوا إلى أن يقول الرسول.
واعلم أن حتى إذا دخلت على الفعل فلها أربعة أوجه وجهان في الرفع ووجهان في النصب.
فأما وجها الرفع فأحدهما كقولك سرت حتى أدخلها فيكون السير واقعا والدخول في الحال موجودا كأنه قال سرت حتى أنا داخل الساعة وعلى هذا قوله: {حتى يقول الرسول} أي حتى الرسول قائل.
والوجه الثاني أن يكون الفعل الذي قبل حتى والذي بعدها واقعين جميعا فيقول القائل سرت أمس نحو المدينة حتى أدخلها ويكون السير والدخول وقعا ومضيا كأنه قال سرت أمس فدخلت وعلى هذا أيضا قوله: {حتى يقول الرسول} معناه حتى قال الرسول فرفع الفعل على المعنى لأن حتى وأن لا يعملان في الماضي وإنما يعملان في المستقبل.
وأما وجها النصب فأحدهما كقولك سرت حتى أدخلها لم يكن الفعل واقعا معناه سرت طلبا إلى أن أدخلها فالسير واقع والدخول لم يقع فعلى هذا نصب الآية وتنصب الفعل بعد حتى بإضمار أن وهي تكون الجارة كقولك أقعد حتى تخرج المعنى إلى أن تخرج.
والوجه الثاني أن تكون حتى بمعنى اللام التي هي علة وذلك مثل قولك أسلمت حتى أدخل الجنة ليس المراد إلى أن أدخل الجنة إنما المراد لأدخل الجنة وليس هذا وجه نصب الآية.